منذ يومين
جيا بريس - تركية شمو
"في قلب مخيم إيسيان، حيث تتشابك خيوط الخيام المتهالكة مع خيوط الأمل الواهية، تبدأ حكايتنا. هنا، بين قسوة الظروف وقهر النسيان، تقف خالدة، امرأة إيزيدية، شاهدة على مأساة امتدت لعقد من الزمان. عشر سنوات قضتها في النزوح، بعد أن اقتلعت من جذورها في سنجار، بفعل وحشية تنظيم داعش. قصتها ليست مجرد صرخة فردية، بل هي صدى لمعاناة عشرات الآلاف من الإيزيديين، الذين تحولت حياتهم إلى سلسلة لا تنتهي من الوعود الكاذبة والانتظار القاتل."
(خالدة: سنوات من الألم)
"خالدة، بصوت يرتجف حزنًا، تروي قصتها قائلة: "نحن نعيش في مخيم إيسيان منذ عشر سنوات، بعد نزوحنا من سنجار في عام 2014 نتيجة للإبادة الجماعية التي تعرضنا لها. كنا نخطط للتقديم على كتاب العودة، ولكن للأسف، توقفت هذه الإجراءات فجأة دون أي توضيح أو أسباب معلنة. نحن نعيش في المخيمات تحت خيام بسيطة مصنوعة من قطعة قماش لا تحمينا من حر الصيف ولا برد الشتاء. بالنسبة لي، البقاء في هذه المخيمات هو شكل آخر من أشكال الإبادة، لأننا بعد كل ما تعرضنا له من سبي وخطف وتهجير وقتل واغتصاب، نجد أنفسنا نازحين داخل بلدنا، وهذا يمثل إهانة كبيرة لكرامة الفرد الإيزيدي."
"وتضيف خالدة بأسى: "بعد الإبادة، كنا نأمل أن ينظر إلينا الجميع بعين الفخر، وأن يتم إعادتنا إلى مناطقنا بكرامة، ولكن ما حدث كان العكس. الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان تتصارعان على ملف سنجار، وتجريان الاجتماعات الثلاثية التي تتمحور حول المصالح السياسية، دون أي اعتبار لكرامتنا كإيزيديين. يبدو أن المصالح السياسية أهم من كرامة الفرد الإيزيدي الذي قُتل لأنه إيزيدي."
وتختتم كلامها بحسرة: "لا نفهم لماذا لم يتم إعادتنا إلى ديارنا بينما جميع النازحين الآخرين عادوا إلى مناطقهم. الحكومة في بغداد والحكومة في أربيل لا تُظهران أي اهتمام حقيقي بحل ملف النزوح أو إعادة إعمار سنجار. الكل يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة فقط، بينما نعيش نحن بمستقبل مجهول في المخيمات."
(أرقام النزوح: مأساة إنسانية)
خلال اجتياح تنظيم داعش لمحافظة نينوى، بما في ذلك قضاء سنجار والمناطق التابعة له، نزح ما يقارب 400,000 شخص من سكان سنجار إلى إقليم كردستان وحدود محافظة دهوك. تم توزيع النازحين على عدد من المخيمات التي وفّرت لهم مأوى مؤقتًا. ومنذ تحرير قضاء سنجار في عام 2017، بدأت عودة النازحين بشكل طوعي، إلا أن نسبة كبيرة من أهالي سنجار ما زالت تعيش في النزوح، حيث يقيم أكثر من 50,000 عائلة داخل 15 مخيمًا وأيضًا خارج المخيمات."
(النازحون: ضحايا بلا حلول)
"منذ عام 2014، أصبح النزوح جزءاً لا يتجزأ من حياة الآلاف، ولا سيما الإيزيديين، الذين حُفرت في حياتهم كلمة “نازح” دون أفق للحل. الحكومات المتعاقبة، سواءً الاتحادية أو المحلية، تعاملت مع هذا الملف كأنه معضلة لا تُحل إلا عبر المزيد من السياسات المتناقضة. وبدلاً من ضمان حقوقهم الأساسية، بات النازح العراقي، وتحديداً الإيزيدي، داخل أرضه هو نازح و، ضحية التنافس السياسي والمصالح المتقاطعة."
في كل مرة، تصبح حياتهم أسئلة بلا إجابات: متى ينتهي النزوح؟ وأين هي الحلول؟ وعود كثيرة قُدمت، لكنها بقيت حبراً على ورق، فيما ينتظر النازحون “موعد العودة” الذي يبدو أبعد مما يتخيلون. أين الديمقراطية؟ وأين الليبرالية التي وعدت بحفظ كرامة الإنسان؟ يبدو أن أبسط حقوق المواطن، العيش بكرامة، أضحى حلماً بعيد المنال لهؤلاء الذين لا يحملون سوى اسم الإنسانية."
(تصريحات رسمية و الهروب من طرح الحلول)
وزارة الهجرة والمهجرين، وعلى لسان معاونة مدير الفروع السيدة ايمان، تؤكد أن قرار تأجيل العودة الطوعية للنازحين هو قرار حكومي صادر عن رئاسة مجلس الوزراء، بناءً على طلب حكومة الإقليم والجهات ذات العلاقة.
وتضيف: "وفي هذا السياق، وضعت الوزارة خطة وآليات عمل مُحكمة للمصادقة عليها من قبل الجهات العليا، وتشمل الخطة تقديم خدمات الإغاثة للنازحين واستمرار العمل على توفير الدعم اللازم لهم خلال العام المقبل."
وفيما يخص عملية عودة العوائل النازحة من المخيمات، توضح الوزارة أن هذه العملية تسير وفق آلية مدروسة، حيث لا توجد أي معوقات رسمية تُعيق العودة. ويتم التنسيق المستمر من قبل مسؤولي الوزارة مع الجهات المعنية لضمان تنظيم العودة الطوعية بشكل يضمن حقوق النازحين وسلامتهم. وتشير الإحصائيات الحالية إلى أن عدد العوائل الإيزيدية المُسجلة في الوزارة والمستعدة للعودة يبلغ حوالي 5,000 عائلة."
أما فيما يتعلق بالخلافات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، فتؤكد الوزارة أنه "لا توجد أي خلافات بينهم والتنسيق المشترك بين الطرفين بأفضل حال". وتضيف: "تعمل الوزارة على وضع حلول مستدامة تُسرّع من عملية عودة العوائل النازحة، مع التركيز على إزالة العقبات السياسية والإدارية التي تُعيق التنفيذ." وتشدد الوزارة على أهمية التعاون مع المنظمات الدولية التي تُسهم بشكل كبير في مراقبة الأوضاع وتقديم الدعم اللازم لتسريع عمليات العودة الطوعية للنازحين إلى مناطقهم الأصلية."
وتختتم الوزارة تصريحها بالقول: "وزارة الهجرة والمهجرين تعمل جاهدة بالتنسيق مع جميع الأطراف لضمان تحقيق عودة طوعية وآمنة للنازحين، في إطار خطة متكاملة تسعى لتحقيق استقرار شامل للمناطق المتضررة، وتلبية احتياجات العوائل النازحة بالشكل الذي يُعزز من صمودهم واستقرارهم."
(بير ديان جعفر: شهادة من قلب المسؤولية)
"في محافظة دهوك، يتحدث بير ديان جعفر، مدير دائرة الهجرة والمهجرين، عن واقع النزوح من وجهة نظر أخرى، قائلاً: "(خلال الأشهر الثلاثة القادمة من عام 2025، تستعد لجنة خاصة من وزارة الهجرة والمهجرين، بالتعاون مع دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة دهوك، لاتخاذ خطوات حاسمة تهدف إلى إنهاء ملف النزوح بشكل نهائي). كما تعلمون، يعيش أهالي سنجار الإيزيديون منذ أكثر من عشر سنوات في مخيمات النزوح داخل حدود محافظة دهوك، حيث تضم المحافظة 15 مخيمًا، إلى جانب أعداد كبيرة من النازحين الذين يعيشون خارج المخيمات. العدد الإجمالي يُقدَّر بحوالي 50,000 عائلة، بين داخل وخارج المخيمات. هؤلاء الناس أحرار في اتخاذ قرار العودة، ولكن القرار النهائي يعود إليهم."
ويضيف جعفر: "حاليًا، تم توقيف العمل بكتاب العودة الخاص بالنازحين داخل المخيمات، وذلك بسبب قرار صادر من الحكومة العراقية ووزارة الهجرة في 31/7/2024، يقضي بإغلاق جميع المخيمات في العراق، بما في ذلك مخيمات إقليم كردستان. ومع ذلك، كان من المفترض أن يتم هذا القرار بالتنسيق مع حكومة الإقليم، وأيضًا مع النازحين أنفسهم، لضمان أن القرار يلبي احتياجاتهم ورغباتهم."
ويتحدث عن زيارة الوفد الحكومي قائلاً: "في 12/7/2024، زار وفد من الحكومة العراقية، برئاسة مستشار رئيس الوزراء، دائرة الهجرة والمهجرين في دهوك. خلال هذه الزيارة، أوضحنا أن منحة العودة المحددة بأربعة ملايين دينار عراقية هي مبلغ غير كافٍ، حيث لا يغطي حتى تكاليف إزالة الأنقاض من المنازل في مناطق العودة. لذلك، طالبنا بزيادة المنحة لتكون أكثر ملاءمة، وأن تشمل النازحين خارج المخيمات، وليس فقط من هم داخلها، لأنهم أيضاً يعانون من ظروف النزوح. كما طالبنا بتشكيل لجنة مشتركة من وزارة الهجرة والمهجرين في بغداد ودائرة الهجرة في دهوك، لحل مشكلة العوائل النازحة غير المسجلة في وزارة الهجرة ببغداد."
"أما بالنسبة للنازحين خارج المخيمات، فيوضح جعفر: "فهم أحرار في العودة في أي وقت. نحن نقوم بتسهيل هذه العملية عبر إصدار كتابين: الأول للسيطرات الحدودية داخل الإقليم، لتسهيل مرورهم، والثاني لمكتب وزارة الهجرة في دهوك، لتسجيلهم ضمن ملفات العائدين، وضمان شمولهم بالتعويضات."
ويختتم حديثه بالتأكيد على ضرورة حل شامل: "علاقتنا مع وزارة الهجرة في بغداد جيدة، ونحن نعمل معًا على تشكيل لجنة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة لوضع آليات واضحة وفعالة تُمكّن النازحين من العودة إلى مناطقهم بأمان. وكما تعلمون، ما حدث في سنجار كان إبادة جماعية، لذلك يستحق أهلها العودة برفعة رأس إلى مناطقهم، مع توفير الخدمات الأساسية لهم وتعويضهم مادياً ومعنوياً عن الأضرار التي لحقت بهم. نحن ندرك أن مخيمات النزوح تُشكّل عبئًا ثقيلاً على حكومة الإقليم. لذلك، نطالب الحكومة الاتحادية بتحمّل مسؤولياتها تجاه سنجار. لقد طالبنا وفود الأمم المتحدة والقنصليات الدولية بالضغط على الحكومة العراقية للإسراع بحل ملف سنجار، الذي يُعامل للأسف كملف سياسي. كما أشرنا إلى ضرورة تنفيذ اتفاقية سنجار الموقعة بين بغداد وأربيل، والتي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات دون تنفيذ حقيقي. الاتفاقية كانت لصالح أهالي سنجار، ومن بين أهم بنودها انسحاب القوات غير الشرعية من المنطقة. فكما تعلمون، الطائرات التركية ما زالت تستهدف جبل سنجار بين الحين والآخر، مما يؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين أبرياء. نحن بحاجة إلى حلول شاملة تضمن إعادة الإعمار، وتوفير الخدمات الأساسية، وتمكين أهالي سنجار من إدارة مناطقهم بأنفسهم. نأمل أن تشهد خلال ثلاثة الأشهر المقبلة تشكيل لجان فاعلة بين بغداد وأربيل، مع وضع آليات عملية تُسرّع عودة النازحين إلى ديارهم بأمان، وطي صفحة النزوح إلى الأبد."
(نازحون يائسون: صوت من المخيمات)
"نازح آخر من مخيم إيسيا، يعبر عن يأس عميق: "أحلف بأغلى ما عندي، لو لم نكن من المكون الإيزيدي لما بقي أي نازح طوال هذه الفترة. لو لم نكن إيزيديين، لما شهدت مناطقنا هذا الصراع المستمر دون أي ذنب. نحن وأطفالنا نمضي حياتنا تحت سقف لا يحمينا، بينما العراق يصدر النفط، وأطفالنا يموتون حرقًا. العراق يرسل المساعدات للنازحين خارج البلاد، في حين أن مناطقنا مدمرة، ونينوى تُعمر، وسنجار تُهمَّش. نحن النازحين ننظر إلى هذا المشهد بحسرة، وسنبقى نازحين طالما استمر هذا الإهمال دون أي رقابة من الجهات المعنية."
في مخيم بيرسفي، يتحدث نازح آخر عن واقع أليم: "تم توقيف كتاب العودة في المخيمات دون أي توضيح أو شرح للنازحين حول الأسباب. الأغلبية العظمى من النازحين ينتظرون بفارغ الصبر إعادة فتح كتاب العودة ليتمكنوا من العودة إلى ديارهم. للأسف، ملف النزوح في إقليم كردستان يتم التعامل معه بين الحكومة العراقية وحكومة الإقليم كملف سياسي أكثر منه إنساني. الخدمات الأساسية والإنسانية التي كنا نحصل عليها في المخيمات توقفت بشكل شبه كامل، وعدد المنظمات الإنسانية التي تقدم المساعدة أصبح قليلاً جداً مقارنة بالسنوات السابقة. هذا الواقع هو دليل واضح على أن قضيتنا لا يتم التعامل معها كقضية إنسانية، بل كقضية سياسية تُستغل لتحقيق مصالح متبادلة. ما يزيد من تعقيد الوضع هو عدم وجود ممثل حقيقي للإيزيديين في البرلمان ليدافع عن حقوقنا وينقل صوتنا ومعاناتنا بشكل مباشر إلى صناع القرار. هذه الفجوة تجعل قضيتنا تُهمش أكثر وتبقى دون حلول جدية."
(شريف سليمان: اعتراف بالتقصير)
"من داخل البرلمان العراقي، يعترف النائب شريف سليمان، عضو لجنة الهجرة والمهجرين، بمرارة: "ملف النازحين من القضايا المهمة التي تم التأكيد عليها في الوثيقة السياسية لتحالف إدارة الدولة، وأيضًا في البرنامج الحكومي الذي وضعته الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني. ومع ذلك، أثبتت الحكومات المتعاقبة، بدءًا من حكومة السيد العبادي مرورًا بحكومة السيد عبدالمهدي، ثم حكومة السيد الكاظمي، وأخيرًا الحكومة الحالية، فشلها في حل هذا الملف الإنساني والاجتماعي المهم.
ويضيف سليمان: "من المؤسف جدًا أن يظل هناك نازحون عراقيون غير قادرين على العودة إلى مناطقهم رغم القضاء على تنظيم داعش الذي تسبب في نزوح الملايين من العراقيين، بما فيهم أبناء الطائفة الإيزيدية الذين هجّروا من مناطقهم، مثل سنجار والمناطق المحيطة بها. رغم تحرير الأراضي العراقية من سيطرة داعش، إلا أن النازحين لا يزالون يعانون في المخيمات، وبعضهم يعيش في ظروف صعبة لأكثر من عقد من الزمن."
ويتحدث عن ضعف الأداء الحكومي: "الحكومات المتعاقبة لم تُبدِ الجدية اللازمة لحل هذا الملف، مما أدى إلى بقاء النازحين في المخيمات لفترات طويلة. على الرغم من وجود محاولات من حكومة السيد السوداني لإغلاق المخيمات وإعادة النازحين إلى مناطقهم، إلا أن هذا البرنامج لم يُكلل بالنجاح. حتى الاستحقاقات التي تم الإعلان عنها لم تُمنح بشكل صحيح للعائدين."
ويقدم مثالاً: "مثال على ذلك، القرار الصادر بتاريخ 31 يوليو 2024، والذي كان يهدف إلى تقديم الدعم المالي للعوائل العائدة، حيث تم تخصيص مبلغ 4 ملايين دينار عراقي لكل عائلة عائدة. ومع ذلك، لم يتم تنفيذ هذا القرار بشكل كامل، ولم يحصل العديد من العائدين على الدعم المخصص لهم."
ويعدد التحديات التي تواجه النازحين: "الوضع الأمني والخدمي: ما زالت المناطق، خاصة في سنجار والمناطق المحررة الأخرى، تعاني من نقص الخدمات الأساسية وغياب الأمن والاستقرار.
التنافس السياسي: يعتبر التنافس السياسي بين الأطراف المختلفة من الأسباب الرئيسية التي تعرقل حل ملف النازحين. عدم تنفيذ اتفاقية سنجار: الاتفاقية الموقعة بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، برعاية أممية، لم تُنفذ بشكل كامل. وهذا أضعف الجهود لإعادة النازحين. غياب الدعم الدولي والمحلي: لا يحظى ملف النازحين بالاهتمام الكافي من المجتمع الدولي، كما أن الحكومة الاتحادية لم تُظهر التزامًا جادًا بحل هذا الملف.
ويختتم بالقول: "على الرغم من تقصير الحكومة الاتحادية، إلا أن حكومة إقليم كردستان قدمت الكثير من الدعم للنازحين وساعدتهم في تحسين أوضاعهم. لولا جهود الإقليم، لكانت أوضاع النازحين أكثر سوءًا. ملف النازحين هو ملف إنساني ووطني يجب أن يُحل بشكل جذري، وعلى الحكومة العراقية أن تظهر جدية وشفافية في التعامل معه. استمرار الإهمال والفساد في هذا الملف يُفقد المواطنين ثقتهم في مؤسسات الدولة. يجب أن يتحمل رئيس الوزراء ووزارة الهجرة والمهجرين مسؤولياتهم، ويعملوا بجدية لإنهاء معاناة النازحين التي طال أمدها."
(ما هي الحلول؟: رؤية قانونية)
"الحقوقي سعيد شنكالي يتحدث عن الجانب القانوني للملف، قائلاً: "هل تعترف القوانين العراقية بشكل صريح بحقوق النازحين؟ وكيف يتم التعامل مع ربط ملف النزوح كقضية إنسانية بملفات سياسية؟ القوانين العراقية لا تتضمن تشريعاً خاصاً وشاملاً ينظم أو يضمن حقوق النازحين داخلياً، لكن هناك بعض النصوص القانونية والسياسات التي تعالج قضاياهم بشكل عام، ومنها: الدستور العراقي لعام 2005، الذي يتضمن مواد تضمن حقوق الإنسان وكرامته، مثل: المادة (14) التي تؤكد على المساواة وعدم التمييز، والمادة (44) التي تضمن حرية التنقل والإقامة. وهناك أيضاً السياسات الوطنية، مثل خطة العمل لإعادة النازحين وإنهاء النزوح القسري التي أقرتها وزارة الهجرة والمهجرين، وقانون تعويض ضحايا العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية (رقم 20 لسنة 2009)، وقوانين أخرى مثل قانون الناجيات الإيزيديات وصندوق إعادة إعمار سنجار وسهل نينوى."
"ويضيف: "قضية النازحين في العراق غالباً ما ترتبط بالقضايا السياسية بسبب الخلافات حول إعادة النازحين إلى مناطقهم، وملف التعويضات وإعادة الإعمار، والأزمات الأمنية والسياسية. لماذا تستمر أزمة النزوح رغم مرور أكثر من عشر سنوات وتحرير معظم المناطق؟ هل توجد عوائق قانونية تعرقل تطبيق الحلول؟ استمرار أزمة النزوح يعود إلى الأسباب الأمنية: استمرار التهديدات الأمنية والصراعات المحلية، والأسباب الاقتصادية: نقص الموارد المالية والدعم اللازم لإعادة الإعمار، والأسباب السياسية: غياب تشريعات شاملة للنزوح الداخلي وضعف إنفاذ القوانين. والعوائق القانونية تتمثل في غياب التنسيق بين الجهات الحكومية، ونقص التمويل، والتحديات الأمنية والاجتماعية، وغياب آليات رقابية فعالة."
"ويشير شنكالي إلى التقصير في تطبيق القوانين: "القوانين والإجراءات المحلية المفترض أن تُسرّع عودة النازحين هي: الدستور العراقي (2005)، وقانون تعويض المتضررين من العمليات الإرهابية (رقم 20 لسنة 2009)، والقانون المدني العراقي (رقم 40 لسنة 1951)، وقانون الناجيات الإيزيديات، وخطة إعادة النازحين وإنهاء النزوح القسري، وبرامج إعادة الإعمار والتنمية. لكنها لم تُفعّل بفعالية بسبب ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية، ونقص التمويل، والتحديات الأمنية والاجتماعية، وغياب آليات رقابية فعالة."
ويوضح المسؤولية القانونية عن استمرار أزمة النزوح: "تتحمل الحكومة العراقية المسؤولية الرئيسية وفقاً للدستور والمبادئ الدولية، والجهات المسؤولة تشمل الوزارات المعنية، السلطات المحلية، المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية. والأطراف التي تسببت في تهجير السكان قسراً تتحمل جزءاً من المسؤولية. لتفعيل آليات الرقابة والمحاسبة، يجب تفعيل دور المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق وإقليم كردستان، واللجان البرلمانية والقضاء العراقي، والمنظمات الدولية والمحلية. أما كيفية مطالبة النازحين بحقوقهم القانونية، فتتم عبر اللجوء إلى القضاء، والتواصل مع المفوضية العليا لحقوق الإنسان، والضغط عبر المجتمع المدني والحملات الإعلامية، ورفع شكاوى إلى الآليات الدولية مثل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.
ويختتم بالحديث عن إعادة الإعمار: "التزام الحكومة العراقية بمسؤوليتها القانونية في إعادة الإعمار، وفقاً للدستور العراقي (2005) والقوانين المحلية والدولية، الحكومة ملزمة بإعادة إعمار المناطق المحررة وضمان العودة الطوعية للنازحين. يجب التعامل مع القضايا القانونية المتعلقة بملكية الأراضي من خلال توفير الأمن وتعويض النازحين والمتضررين، وتعزيز التعاون الدولي لتسهيل حل النزاعات المتعلقة بالممتلكات. والحلول المستقبلية ضمن الإطار القانوني لإنهاء ملف النزوح تتطلب وضع خطة قانونية شاملة، تتضمن إصدار قانون وطني خاص بالنزوح الداخلي ينظم حقوق النازحين وآليات العودة الطوعية، وإنشاء هيئة وطنية للنزوح لإدارة الملف وتنسيق الجهود.
ولكن هذه الخطة تواجه تحديات، مثل العوائق السياسية والقانونية، ونقص التمويل، وغياب الرقابة ومنع الفساد. ولتجاوز هذه التحديات يجب تبسيط إجراءات التعويض وإثبات الملكية، وتعزيز التعاون الدولي وإدماج مبادئ الأمم المتحدة في القوانين الوطنية، وتخصيص ميزانيات مستقلة لإعادة الإعمار."
(أين العدالة؟)
في نهاية هذا التحقيق المطول، لا يسعنا إلا أن نتساءل: إلى متى سيظل الإيزيديون في سنجار يعيشون هذه المأساة؟ إلى متى ستظل وعود العودة مجرد حبر على ورق؟ هل سيتحرك الضمير الإنساني؟ وهل ستنتصر العدالة؟ الإيزيديون في سنجار ليسوا مجرد أرقام في سجلات النزوح، بل هم بشر لهم حقوق وكرامة، ويستحقون أن يعيشوا في وطنهم بسلام وأمان. هذه هي رسالة يجب أن يسمعها العالم بأسره."