منذ شهر
وليد العيسى
شهد المجتمع الإيزيدي في السنوات الأخيرة تحولاً دراماتيكياً في بنية العلاقات الاجتماعية بعد الحملة الوحشية التي تعرض لها عام 2014. كان هذا المجتمع في السابق مثالًا للتماسك الاجتماعي، حيث كانت العائلة تحتل مكانة مركزية في حياتهم اليومية، وتتميز بالعادات والتقاليد التي كانت تُعزز الروابط بين الأفراد.
على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشها الإيزيديون، إلا أن روح السعادة والفرح كانت تملأ قلوبهم. في الأعياد، كانت البيوت تكتظ بالبهجة، حيث يقوم الأهل بتوزيع الطعام على الجيران ويقيمون الولائم. كانت التجمعات العائلية تحتفل بالمناسبات، مثل حفلات الزفاف والولادات، بحماس ومشاركة من الجميع. هذه الروابط القوية كانت تُعزز من شعور الانتماء والأمان، وتُساعد في مواجهة التحديات.
ومع اندلاع العنف والإبادة الجماعية في 2014، تعرَّض المجتمع الإيزيدي لأضرار جسيمة. فقد قُتل الآلاف، وتعرضت النساء للاختطاف، وهُجِّر العديد من الأفراد. أصبح الفقر والفقدان هما السمة السائدة، حيث هاجر العديد من العائلات إلى الدول الغربية، بينما ظل البعض الآخر عالقًا في المخيمات. هؤلاء الذين عادوا إلى سنجار واجهوا صعوبات كبيرة في إعادة بناء حياتهم، بسبب فقدان المنازل والموارد.
بدأت آثار هذه الكارثة تظهر بوضوح في التفكك الاجتماعي داخل المجتمع. العلاقات الأسرية التي كانت تُعتبر حجر الزاوية في حياة الإيزيديين بدأت تتفكك. كانت البيوت التي تسكنها عائلات كبيرة، تجتمع فيها الأخوة والأقارب، الآن تُعاني من العزلة. المناسبات التي كانت تجمع الجميع بدأت تتقلص، وتفقد قيمتها الاجتماعية.
تلاشت الكثير من العادات والتقاليد، وأصبح الاندماج مع الثقافة الجديدة صعبًا. الأجيال الجديدة التي تربت في ظل الظروف الصعبة تجد صعوبة في التكيف مع التغيرات الاجتماعية، إذ تحاول التوفيق بين ماضيها الثقافي والواقع الجديد المتمثل في التقدم التكنولوجي والاتصالات الحديثة.
نتيجة لهذا التفكك، أصبح المجتمع الإيزيدي عرضة لمشاكل نفسية متزايدة. الألم والفقدان، بالإضافة إلى عدم الاستقرار، يُسبب ضغطًا نفسيًا كبيرًا على الأفراد. يُعتبر ذلك تحديًا كبيرًا، خاصةً أن الأجيال الشابة تكافح من أجل إيجاد هويتها في عالم متغير.
إن التفكك الاجتماعي الذي شهدته المجتمعات الإيزيدية بعد الإبادة الجماعية يمثل مرحلة حساسة من تاريخهم. يجب أن يتم التركيز على دعم هؤلاء الأفراد وإعادة بناء مجتمعهم من خلال تعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية، ومساعدة الأجيال الجديدة في استعادة هويتهم الثقافية. إن إعادة بناء هذا النسيج الاجتماعي ليس فقط مسؤولية الأفراد، بل تتطلب أيضًا جهودًا جماعية من المجتمع والدول التي استقبلتهم، لضمان مستقبل أفضل لهم.