منذ سنة
حيدر الشيخ
كالذي يقفز إلى أول عجلة دون تفكير أو معرفة، إن كانت تسير في طريق آمن أو وعر. ومهما بلغ من العمر يبقى سياسي الصدفة مراهقا حاله حال الشاب في فترة المراهقة التي غالبا ما تتميز بالتسرع والاندفاع وعدم إدراك أو تقدير عواقب الأمور.
وغالبا ما يكون الإحباط والفشل مصاحبين لتسرعه في اتخاذ القرارات والإفصاح عن رغباته.
للأسف هؤلاء المراهقون السياسيون - وما أكثرهم- لوثوا سماء واقعنا، وعاثوا كثيرا في تدمير نسيجنا الاجتماعي، ولعبوا دورا كبيرا في انسداد أفق المواطن العادي، حتى بات أكثر خوفا وارتباكا.
وفي الوقت عينه امتطوا صهوة محفل هم ليسوا أهلا له، وتسيدوا مشهد هم أقل بكثير من إن يتسيدوه ، فلوثوا وشوهوا مفاهيم الديمقراطية والحرية والإصلاح وحق التعبير، لأنهم ببساطة يتحدثون عن تلك المفاهيم، وهم لا يفقهونها وأبعد ما يكونون عنها، لا بل إن بعضهم كان معروفا عنه بعده عن تلك المصطلحات، ويرى أن من يتحدث بها إما كافر أو عميل.
إن التصدي لإدارة مصالح الناس ومستقبل الأجيال القادمة مسؤولية كبرى، والمراهقة السياسية التي نراها تمارس اليوم في البلد، سوف تحرق الأخضر واليابس، وتعيد الجميع إلى نقطة الصفر، والمطلوب من الجميع صحوة كاملة، وتغييرا جذريا في السياسات والأشخاص، لكن ذلك لن يحصل أبدا في ظل الثقافة السائدة التي لا تسمح به، ولا تشجع عليه أبدا.
يفتقرون إلى ثقافة الحوار البناء والتفاوض وإفساح المجال للآخر ، بينما ترى في المواجهة والإصرار على المواقف ولو كانت غير واقعية وإلحاق الهزيمة بالآخر بطولات عظيمة، وهي بالتالي تخدم مصالحهم الشخصية بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن التي لطالما تظاهروا بها في تصريحاتهم الرنانة أمام عدسات الكاميرات وفي اللقاءات التلفزيونية.
كانت هذه الفئات ولا زالت عقبة أمام مسيرة المجتمع في طريق رقيها، بل أدت هذه الممارسات الضيقة الأفق إلى أن تهوي بالمجتمع بكل شرائحه وما تمتلكه من قيم ومثل وإنجازات وتاريخ إلى هوة سحيقة لا يعرفها مداها إلا الله، فكان لا بد من نظرة متعمقة لهذه الفئة التي تلاعبت بمقدرات البلد وزرعت ثقافة تبريرية للممارسات النفعية في أوساط المجتمع، حتى صارت الوصولية والانتهازية من الآفات التي تنخر في أوساط المجتمع وأسسه ومعول هدام سينقض على ما تبقى من القيم والمبادئ.
هؤلاء المراهقون والمتسلقون على أكتاف البسطاء يقدمهم البعض عبر وسائل الإعلام باعتبارهم سياسيين محنكين في ممارسة السياسة وفنونها ولهم رؤية ثاقبة ومواقف وطنية،فيما تفاجأ أن قدر لك سماعهم عبر وسائل الإعلام المرئية أو المقروءة بأنهم لا يجيدون قراءة أو تحليل أبسط المستجدات السياسية أبعد من أرنبة أنوفهم، فيتحدثون عن أحلامهم وأمنياتهم الشخصية ويحاولون إقناع الآخرين بإمكانية تحقيق هذه الأحلام والأمنيات غير الواقعية، ويتهمون من يخالفهم الرأي بالجهل أو يعادونهم، ويرفضون التسليم بالحقائق الواقعة على الأرض، ويعملون على تزييف هذه الحقائق لتطابق رؤاهم.
هؤلاء المراهقون السياسيون هم من سرقوا مستقبل الأجيال القادمة، وجعلوه أحمر قاني، ولهم نقول: دعوا السياسة لأهلها، ولا تعملوا على تشويه فكرة الإصلاح والحرية، والعدالة والمساواة، والعبوا بعيدا عن الأوطان واستقرارها ومستقبلها.