
منذ شهرين
وليد العيسى
يُعد عيد رأس السنة الإيزيدية من أهم الأعياد المقدسة لدى أبناء الديانة الإيزيدية، حيث يُحتفل به في يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي، الموافق عادةً منتصف أبريل حسب التقويم الميلادي. يحمل هذا العيد طابعاً روحياً عميقاً، إذ لا يُنظر إليه كمجرد مناسبة دينية، بل يُعد عيد ولادة كوكب الأرض، وهو رمز لبداية الحياة وتجددها.
يرى الإيزيديون أن هذا اليوم يمثل اللحظة التي اكتملت فيها دورة الخلق، حين بردت الأرض بعد أن كانت مشتعلة، وتشكلت معالم الطبيعة من جبالٍ وأنهارٍ ونباتات. فصار هذا العيد بمثابة احتفال بالكون والطبيعة والخصب. ويؤمنون بأن الخالق أرسل الملك طاووس (رئيس الملائكة) إلى الأرض في هذا اليوم ليشرف على تنظيم الحياة، ولهذا يُعتبر يوماً مقدساً له مكانة استثنائية في طقوس الديانة الإيزيدية.
البيض... رمزية الخلق والانفجار الكوني
من أبرز رموز العيد هو البيض المسلوق، لما له من دلالاتٍ كونية. يعتقد الإيزيديون أن الأرض تشبه البيضة في شكلها، وسلق البيض يرمز إلى المرحلة التي بردت فيها الأرض واستقرت. فصفار البيض يرمز إلى اليابسة، بينما بياضه يشير إلى البحار والمحيطات التي تغطي الكوكب. أما تلوين البيض بألوان زاهية، فهو رمز إلى تنوع الحياة وتعدد أشكال الخلق على وجه الأرض.
واحدة من الطقوس الملفتة هي اصطدام البيض ببعضه، حيث يتقابل شخصان، كل منهما يحمل بيضةً ويضربانها ببعضهما في مشهدٍ يرمز إلى الانفجار الكوني العظيم، أو لحظة ولادة الكون من العدم، حين بدأت الحياة من نقطةٍ صغيرةٍ وتمددت لتخلق كل هذا الوجود.
شقائق النعمان... أول زهرة على الأرض
تحضر شقائق النعمان كرمز آخر مهم في طقوس العيد، حيث يُعتقد بأنها أول زهرة نبتت على سطح الأرض بعد الخلق. ولهذا يتم تزيين البيوت والمزارات بها، كما تُستخدم في تزيين الشعر والملابس، خاصةً من قبل النساء والفتيات. هذه الزهرة بلونها الأحمر النابض ترمز إلى الحياة والدم والتجدد، وهي أحد مظاهر الارتباط العميق بين الطقوس الإيزيدية وعناصر الطبيعة.
طقوس اجتماعية ودينية
من طقوس العيد أن تقوم النساء بجمع الزهور البرية وتزيين الأبواب والنوافذ بها، تعبيراً عن الترحيب بالربيع وبداية الحياة. كما يقوم الأهالي بزيارة المزارات الدينية المقدسة، وأبرزها معبد لالش النوراني، حيث تُقام الطقوس وتُشعل الشموع في أجواء يغلب عليها الخشوع والسكينة.
عيد متجذر في الذاكرة الجماعية
رغم ما تعرض له الإيزيديون من مآسٍ واضطهادات على مر التاريخ، بقي عيد رأس السنة صامداً في الذاكرة والوجدان، كعلامة على الإصرار على الحياة والانتماء إلى الطبيعة. فهو ليس مجرد تقليد، بل فعل مقاومة وصوت هادئ يهمس بأن النور يمكنه دائماً أن يتغلب على الظلمة.
في هذا العيد، يحتفل الإيزيديون بالحياة ذاتها، بالطبيعة، بالزهرة، بالخصوبة، بالسماء الزرقاء والأرض الخضراء، في مزيجٍ من الروحانية والبهجة والامتنان. إنه عيدٌ يشبه دعاءً مفتوحاً يُقال دون صوت، بأن تبقى الحياة مستمرة، وأن يعود كل ما كُسر إلى الحياة من جديد.