"المحتوى الهابط" يغزو الفضاء الرقمي الإيزيدي... وغياب المحاسبة يثير قلق المختصين



تقارير | 717
منذ 4 أيام

جيا بريس - عاصم سعيد

 

في الوقت الذي تواصل فيه السلطات العراقية حملتها الوطنية لمكافحة ما يُعرف بـ "المحتوى الهابط" على منصات التواصل الاجتماعي، والتي طالت عشرات الشخصيات في مختلف المحافظات، يبرز تساؤل مقلق داخل الأوساط الثقافية والقانونية في المجتمع الإيزيدي: لماذا تبدو مناطقهم خارج نطاق هذه الحملة حتى الآن؟

 

رغم انتشار الظاهرة بشكل متزايد بين الشباب الإيزيدي، لم تُسجّل أي حالة محاسبة قانونية أو حتى اجتماعية منظمة ضد صانعي هذا النوع من المحتوى، ما يفتح الباب أمام نقاش واسع حول أسباب هذا الغياب وتداعياته على مجتمع لا يزال يتعافى من آثار الإبادة والتهجير.

 

هوس بالشهرة

يرى مراقبون أن انتشار هذا المحتوى في مجتمع كهذا يصف البعض بـ "الهروب من واقع مأزوم" عبر التسلية السريعة، وسعي بعض الشباب المحموم خلف الشهرة والانتشار بأي ثمن، في ظل غياب الرقابة الأسرية الفعالة والتعليم النقدي الذي يمكّنهم من التمييز بين الغث والسمين.

 

وفي هذا السياق، تؤكد وزارة الداخلية العراقية أن حملتها مستمرة وتعتمد بشكل كبير على بلاغات المواطنين. يقول المتحدث باسم الوزارة، اللواء مقداد ميري الموسوي: "اللجنة المختصة بمكافحة المحتوى الهابط تلقت عشرات الآلاف من البلاغات. دور الوزارة يقتصر على رفع هذه البلاغات إلى القضاء، الذي يقرر ما إذا كان المحتوى مخالفًا للقانون".

 

تأثيرات مدمرة ومواهب مدفونة

لا يقتصر خطر هذا المحتوى على كونه مادة ترفيهية سطحية، بل يمتد أثره ليضرب منظومة القيم الاجتماعية ويستبدل القدوات الحقيقية بشخصيات "الترند" الزائفة، وفقًا لخبراء علم الاجتماع.

 

هذا التأثير السلبي يصل إلى عمق الأوساط الإبداعية. يعبّر الكاتب هذال آل حلو، من سنجار، عن حالة الإحباط التي تسود بين المثقفين والموهوبين، قائلًا: "في ظل هذا السيل الجارف، فقد كثير من أصحاب المواهب في سنجار الأمل بما يقدمونه.

موضحاً أنه لم يعد الإبداع يُقابل بالتقدير، بل يُدفن تحت ركام التفاهة الذي يلقى التصفيق. هذه المنصات تحوّلت إلى مقابر صامتة للمواهب".

 

فجوة قانونية وتطبيق غائب

من الناحية القانونية، تكمن الإشكالية في أن الإجراءات المتبعة حاليًا تستند إلى المادة 403 من قانون العقوبات، وهي مادة لم تُصمّم أصلًا للتعامل مع الفضاء الرقمي.

 

توضح المحامية هونال شيخ، من ناحية بعشيقة، هذه النقطة بقولها: "هذه المادة تتعلق بالمطبوعات والأفلام، وتطبيقها على المحتوى الرقمي يثير إشكاليات. لا يجوز إصدار أوامر قبض استنادًا إلى بلاغ إلكتروني فقط دون وجود مدّعٍ بالحق الشخصي أو العام".

 

وتضيف شيخ أن غياب المحاسبة في المجتمع الإيزيدي يطرح تساؤلات حول شمولية تطبيق القانون، مؤكدةً أن "القانون لا يكتسب قيمته من نصوصه فقط، بل من عدالته في التطبيق وشموليته لجميع فئات المجتمع دون استثناء".

 

من جانبه، يؤكد القاضي عامر حسن، من محكمة تحقيق الكرخ، أن "المحتوى الهابط يعيد تشكيل الأذواق بطريقة خطيرة، ويستهدف العاطفة السريعة على حساب الوعي"، ما يشير إلى أن القضاء ينظر إلى الظاهرة بجدية.

 

هل الحل في المحاربة أم في النقاش؟

في مقابل الدعوات المطالبة بالردع القانوني، تبرز أصوات تدعو إلى معالجة أعمق. يرى الكاتب والأكاديمي عقيل عباس أن التركيز المفرط على هذه الظاهرة قد يكون أداة لصرف الانتباه عن قضايا أكثر إلحاحًا. ويقول: "ما يُصنَّف اليوم كمحتوى هابط يمكن تجاوزه بكبسة زر، لكن لا يمكن تجاوز الفساد وسوء الخدمات بهذه البساطة.

 

الذوق العام مفهوم نسبي، ولا يجوز فرضه بالقانون وحده، بل يجب أن يكون موضوعًا للنقاش الثقافي والاجتماعي".

 

وبينما تستمر الحملة الوطنية، يبقى المجتمع الإيزيدي في انتظار مبادرات محلية فاعلة، سواء كانت توعوية أو قانونية، لسد الفجوة الحالية وحماية أجياله الجديدة من تيار ثقافي يهدد بتشويه هويته وقيمه الأصيلة.