منذ سنتين
عيسى سعدو
شهد مجتمع الأيزيدي في العراق موجة هجرة جديدة تزامناً مع حلول الذكرى الثامنة على المأساة التي حلّت بهم في العام 2014 والتي عدتها الأمم المتحدة وبرلمانات دول عدة بأنها جريمة إبادة جماعية ارتكبتها عصابات داعش الإرهابية. وكما يعلم الجميع، رافقت هذه الإبادة عمليات قتل وسبي وتهجير وتدمير للبنى التحتية.
إن الهجرة الأيزيدية الجديدة جاءت كنتيجة طبيعية للظروف التي يمر بها أبناء هذا المجتمع، فرغم الإعلان عن تحرير كامل التراب العراقي من سطوة عصابات داعش الإرهابية منذ العام 2017 ومن ضمنها مناطق الأيزيديين في قضاء سنجار الواقع غربي محافظة نينوى في الشمال العراقي التي تحررت بدماء المقاتلين الايزيديين مع اخوانهم رجال الحشد البواسل، الّا أنه لا جهود حكومية تذكر في إعادة النازحين وإعادة إعمار المنطقة.
إن هذا البرود الذي تتعامل به جميع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ العام 2014 تجاه ملف الأيزيديين قد نال وينال مما تبقى من بصيص الأمل في إنصاف هذه الشريحة العراقية الأصيلة، وإن هذه الهجرة -رغم المخاطر التي تصاحبها والمعاناة التي سنتطرق لها في هذه المقالة - لهي دليل واضح على الفشل الحكومي في إحتضان المكون الايزيدي الجريح.
بالتوازي مع هذا التشائم الأيزيدي الواضح من حلول قد تسعفهم، فإن هناك تشائم كبير حول مستقبل الأقليات الدينية والتنوع في العراق بعد تزايد موجات الهجرة في صفوفهم.
قد يكون الأيزيديون آخر الورود المتبقية في الحديقة العراقية، وهنا مكمن الخطر في أن يُفرغ العراق من الأقليات وما نخشاه أن تكون هذه سياسة متعمّدة لإستغلال ما خلّفه داعش من دمار في صفوف الأقليات والايزيديين على وجه الخصوص.
أسباب الهجرة الأيزيدية الجديدة :
-8 سنوات وحوالي 400 ألف نازح أيزيدي في مخيمات إقليم كوردستان لا يستطيعون العودة بسبب تدمير البنية التحتية وعدم وجود تعويضات لهم إضافة الى صراعات إدارية، سياسية وعسكرية.
-الصراع الإداري بين حكومة بغداد وحكومة أربيل والذي يمنع تشكيل حكومة محلية في قضاء سنجار، وبالتالي يستغل هذا في الموصل من خلال سرقة استحقاقات سنجار من الموازنات المالية ومنح الإعمار وحرمانهم من أبسط الخدمات التربوية والصحية بحجة عدم وجود حكومة محلية في سنجار.
-الصراع السياسي، أيضا بين بغداد وأربيل والذي يتم احياناً باستخدام أدوات محلية.
-الصراع العسكري، وله أبعاد محلية ودولية أيضاً. المحلية تتمثل في مشروع نزع سلاح المقاتلين الأيزيديين الذين قاتلوا داعش وهو هدف كردي وعربي سني، ولعل الاشتباك الأخير بين الجيش العراقي ومجموعة من المقاتلين في شهر آيار 2022 كان جزءاً من هذا المشروع.
-البُعد الدولي، هو تدخل تركيا من خلال قصف المقاتلين الإيزيديين تحت حجة واهية وهي أنهم ينتمون إلى تنظيم PKK.
- إعادة عائلات الدواعش الى مناطق في محافظة نينوى وهي رسالة سلبية تثير قلق الأيزيديين.
-انتهاكات مختلفة بحق الايزيديين، أخطرها عمليات قتل طالت أيزيديين في سنجار وكوردستان وتزايدت في الفترة الأخيرة.
-تهميش الأيزيديين من خلال حرمانهم من حقوق كثيرة كالتواجد في الوظائف الحكومية، حيث أن الكثير من الخريجيين والكفاءات الأيزيدية تهاجر لهذا السبب.
-تخلي المجتمع الدولي عن الأيزيديين وبالتالي لم يعد هناك أمل في التعويل على هذه الورقة، وكأنه تم تسليمهم الى الحكومتين العراقية والكردية مجددا، اللتان تقاعستا في منع الابادة الأيزيدية ولاحقا في إنصافهم.
التحديات
في ظل هذه الظروف الصعبة، يواجه الأيزيديون صعوبات إضافية حتى لو قرروا أن يهاجروا، رغم أن الهدف بات الوصول الى الأرضي اليونانية من خلال تركيا، لكن هذا الطريق هو الأصعب والأكثر خطورة، فكم من اللاجئيين العراقيين والسوريين خسروا حياتهم وهم يسلكون هذا الطريق خصوصا بين عامي 2015 و 2016؟. هناك ايضاً صعوبات داخل الاراضي العراقية ومنها الحصول على الفيزا التركية، فقد شهدت الأيام الأخيرة تذمرا كبيرا بين الأيزيديين من رفض القنصلية التركية في الموصل إعطاء الفيزا لهم إضافة الى وجود طوابير كبيرة تنتظر إكمال معاملة جواز السفر في دائرة الجوازات الكائنة في الجانب الأيمن من الموصل.
تشير تقارير إعلامية نُقلت على لسان ناطقين من منظمات المجتمع المدني وجهات محلية، الى أنه شهدت الأسابيع الأولى من شهر آب الحالي هجرة حوالي 1300 فرد من مخيمات الأيزيديين بإتجاه الأراضي التركية ثم اليونانية.